يُعدّ العمل التطوعي اليوم واحدًا من أهم الأدوات التي تستخدمها المجتمعات الحديثة لتحقيق التنمية وتعزيز السلام وبناء قدرات الأفراد. وبين جميع البرامج الدولية التي تهدف إلى تمكين دور المتطوعين، يأتي برنامج متطوعي الأمم المتحدة UNV ليكون الأكثر شمولًا وانتشارًا وتأثيرًا على الإطلاق. فهذا البرنامج العالمي لم يُنشأ فقط ليمنح الأفراد فرصة لخدمة الإنسانية، بل تم تصميمه ليكون محورًا أساسيًا في دعم عمليات الأمم المتحدة، ونقطة التقاء بين الخبرات البشرية والاحتياجات الإنسانية والتنموية في أكثر من 150 دولة حول العالم. إن التطوع داخل هذا البرنامج لا يشبه أي تجربة تطوعية أخرى؛ فهو يجمع بين المهنية العالية، والتأثير المباشر، والتعلّم العميق، والتعايش الثقافي، مما يجعله بوابة حقيقية للذين يرغبون في بناء مستقبل مهني وإنساني أكثر ثراءً. يقدّم هذا المقال دليلًا شاملًا ومتكاملًا حول ماهية برنامج متطوعي الأمم المتحدة، رسالته، أهدافه، وأنواع التطوع المتاحة فيه، إضافة إلى شرح تفصيلي لآليات الانضمام إليه من خلال أربع خطوات رئيسية فقط. وسنركّز على توضيح كيف يعمل البرنامج داخل كل دولة، وكيف ينسّق بين المتطوعين ووكالات الأمم المتحدة، ولماذا يعتبر فرصة فريدة لتطوير المهارات وصناعة تأثير واقعي ملموس.
الخطوة الأولى: فهم رسالة برنامج متطوعي الأمم المتحدة وأهدافه الحقيقية
لكي يتمكّن أي فرد من الاندماج في برنامج تطوعي عالمي بحجم برنامج متطوعي الأمم المتحدة، يجب أولًا أن يدرك رسالته الجوهرية، التي تقوم على تمكين المتطوعين ليصبحوا قوة فاعلة في دعم التنمية المستدامة وتعزيز السلام في المجتمعات. هذا البرنامج ليس مجرد مبادرة خيرية، بل هو منظومة دولية تعمل على دمج المتطوعين بطريقة احترافية داخل عمليات أممية معقدة في مجالات مثل الإغاثة، التعليم، الصحة، حقوق الإنسان، دعم اللاجئين، وتمكين المجتمعات.
يرتكز البرنامج على محورين رئيسيين:
المحور الأول: تعبئة المتطوعين لخدمة وكالات الأمم المتحدة
وهنا يقوم البرنامج بتحليل احتياجات الوكالات الأممية المختلفة وتحديد نوعية الخبرات التي تحتاج إليها، ثم اختيار المتطوعين الذين يمتلكون الخلفيات المناسبة لإرسالهم إلى المهام المطلوبة حول العالم. المتطوع قد يعمل في مجال التعليم، أو الصحة، أو البيئة، أو إدارة المشاريع، أو التوعية المجتمعية، أو دعم اللاجئين، أو بناء السلام. وهذا التنوع الهائل يجعل البرنامج مفتوحًا أمام مختلف التخصصات الأكاديمية والمهنية.
المحور الثاني: تعزيز ثقافة التطوع عالميًا
فالبرنامج لا يركز فقط على إرسال المتطوعين، بل يسعى أيضًا إلى نشر قيم العمل التطوعي داخل الدول، وتحفيز المؤسسات الحكومية وغير الحكومية على دمج التطوع في خططها التنموية. الهدف هو تغيير نظرة المجتمعات تجاه التطوع من كونه “جهدًا إضافيًا” إلى كونه “قوة للتغيير والبناء”.
وتتمثل أهم أهداف البرنامج في:
- دعم عمليات الأمم المتحدة عبر توفير كوادر بشرية عالية الكفاءة.
- تمكين الشباب ليصبحوا جزءًا من العمل الإنساني الدولي.
- خلق بيئات عمل متنوعة تعتمد على الشمول والتعدد الثقافي.
- بناء شبكة عالمية من المواهب القادرة على تلبية الاحتياجات الإنسانية.
- دعم التنمية المستدامة في الدول من خلال مشاريع ميدانية حقيقية.
الخطوة الثانية: التعرف على أنظمة العمل داخل البرنامج وآلية اختيار المتطوعين
لكي يتمكن البرنامج من العمل بكفاءة في عشرات الدول، فإن له بنية تنظيمية دقيقة تعتمد على وحدات تُعرف باسم UNV Field Units، وهي مكاتب محلية توجد داخل كل دولة لتنسيق عمليات التطوع. تلعب هذه الوحدات دورًا مهمًا في الربط بين المتطوعين ووكالات الأمم المتحدة، وتتأكد من أن المتطوع يحصل على دعم كامل قبل انضمامه وخلال فترة خدمته.
مهام هذه الوحدات تتضمن:
- اختيار المتطوعين المحليين والدوليين وفق معايير مهنية دقيقة.
- تمثيل البرنامج داخل الدولة والتنسيق مع فريق الأمم المتحدة.
- دعم المتطوعين طوال مدّة مهمتهم، سواء نفسيًا أو لوجستيًا أو إداريًا.
- خلق شراكات بين البرنامج والمؤسسات الحكومية والمؤسسات غير الربحية.
- متابعة أثر التطوع والتأكد من أن الجهود المبذولة تحقق نتائج حقيقية.
وتتميز عملية اختيار المتطوعين بالشفافية والموضوعية؛ حيث يتم تقييم المتقدمين بناء على مهاراتهم وخبراتهم، وليس على أساس الجنسية أو الخلفية الاجتماعية. كما أن البرنامج يهتم بشكل كبير بتوفير فرص للشباب، سواء داخل بلدانهم أو عبر فرص دولية، مما يجعله منصة تعليمية ومهنية كبرى.
البرنامج يتيح ثلاثة أنواع أساسية من التطوع:
١) المتطوع الدولي
وهو الشخص الذي ينتقل إلى دولة أخرى لخدمة مهمة أممية. يناسب الخريجين والمهنيين وأصحاب الخبرات. تجربة المتطوع الدولي هي تجربة ثرية جدًا لأنها تمنح صاحبها فرصة للتعايش مع ثقافات مختلفة وتطوير مهارات احترافية عالية.
٢) المتطوع الوطني
وهو التطوع داخل الدولة نفسها، ويُعتبر مناسبًا للأشخاص الذين يرغبون في خدمة المجتمع المحلي والمساهمة في برامج التنمية الوطنية. يُعتبر هذا النوع أساسياً لأنه يعزز دور الشباب المحلي في قيادة التغيير.
٣) المتطوع عبر الإنترنت
وهو من أسرع أنواع التطوع انتشارًا اليوم. يعتمد على تنفيذ مهام عن بُعد مثل الترجمة، الكتابة، البحث، التصميم، أو الدعم الإداري. هذا النوع مناسب جدًا للطلاب والعاملين المستقلين والموظفين بدوام جزئي.
الخطوة الثالثة: الفوائد الفعلية التي يحصل عليها المتطوع داخل البرنامج
لا يُعدّ التطوع داخل برنامج الأمم المتحدة مجرد عمل إنساني، بل هو استثمار حقيقي في المستقبل الشخصي والمهني. فالبرنامج يمنح المتطوع فرصة لخوض تجربة عالمية، وتعلم مهارات عالية، والانضمام إلى شبكة من الخبراء الدوليين الذين يعملون في أهم المشاريع الإنسانية.
من أبرز الفوائد التي تحقّقها هذه التجربة:
١) بناء ملف مهني قوي
المتطوع الذي يعمل داخل الأمم المتحدة يصبح لديه سجل مهني مرموق، يفتح له أبواب العمل في المؤسسات الدولية والمنظمات الكبرى.
٢) اكتساب خبرة عالمية حقيقية
العمل مع فرق دولية متعددة الجنسيات يساعد على اكتساب مهارات التعاون والتواصل والقيادة وإدارة المشاريع.
٣) المساهمة في صناعة السلام والتنمية المستدامة
المتطوع لا يعمل في وظيفة مكتبية فقط، بل يكون جزءًا من مشاريع ميدانية وتعليمية وصحية وإنسانية تحدث فارقًا في حياة آلاف الأشخاص.
٤) تعزيز فرص التوظيف في المستقبل
العديد من المتطوعين ينتقلون لاحقًا إلى وظائف داخل الأمم المتحدة أو منظمات دولية أخرى، بسبب سجلهم القوي والخبرات التي اكتسبوها.
٥) تطوير المهارات الشخصية
من أهمها: الذكاء العاطفي، إدارة الوقت، التكيف مع الضغوط، العمل في بيئات متعددة الثقافات، والتواصل الفعّال.
٦) تجربة إنسانية تغير حياة الشخص بالكامل
فالمتطوع يشاهد الحقيقة على الأرض، ويعيش بين المجتمعات الفقيرة والمتضررة، ويقدّم لها الدعم بشكل مباشر، مما يعزز قيم التعاطف والإنسانية داخله.
الخطوة الرابعة: كيفية الانضمام إلى البرنامج وتقديم طلب التطوع
هذه الخطوة هي الأكثر أهمية لأنها تحدد المسار الذي يجب أن يسلكه كل شخص يرغب في الانضمام إلى برنامج متطوعي الأمم المتحدة. ورغم أن البرنامج يعمل وفق معايير وخطوات واضحة، إلا أن الأمر لا يتطلب سوى فهم دقيق لطريقة التقديم وإعداد ملف احترافي يوضح الخبرات والقدرات.
تشمل خطوات الانضمام الأساسية ما يلي:
١) تحديد نوع التطوع المناسب لك
هل ترغب في التطوع داخل بلدك؟ أم ترغب في خوض تجربة دولية؟ أم تفضّل التطوع عبر الإنترنت؟
هذا القرار سيحدد شكل الفرص المتاحة لك وكيف ستتقدم لها.
٢) تجهيز السيرة الذاتية بشكل احترافي
من المهم أن تتضمن خبراتك، مهاراتك، الأعمال التطوعية السابقة إن وُجدت، والدورات التي حصلت عليها.
السيرة الذاتية الجيدة تزيد من فرص قبولك بشكل كبير.
٣) تجهيز خطاب الدافع
يُعدّ خطاب الدافع (Motivation Letter) من أهم الأجزاء في ملف التقديم، حيث تشرح فيه:
- لماذا ترغب في التطوع؟
- ما الذي يمكنك تقديمه للمجتمع أو للمشروع؟
- ما الذي تتوقع أن تتعلمه؟
- ما علاقتك بالتنمية المستدامة أو بالعمل الإنساني؟
كلما كان الخطاب صادقًا وقويًا ومؤثرًا، زادت فرصك في اختيارك للمهمة المناسبة.
٤) اجتياز المقابلات والتقييمات
عند قبول طلبك يتم التواصل معك لإجراء مقابلة تقييمية.
هذه المقابلة تهدف إلى التأكد من أن شخصيتك وقدراتك ومهاراتك تتناسب مع طبيعة العمل الأممي.
الأسئلة تكون بسيطة لكنها دقيقة، وتدور حول:
- طريقة عملك تحت الضغط
- قدرتك على العمل ضمن فريق
- خبراتك وتجاربك السابقة
- فهمك للتنمية والسلام وحقوق الإنسان
بعد ذلك، وإذا تم قبولك، يتم تنسيق فترة التدريب والتجهيز قبل بدء المهمة.
Michael masri