ناوي شغل

حين تصبح البراءة فخًّا: حكاية الضحية التي أنجبت ضحايا أخرى

اسم التطبيق
حين تصبح البراءة فخًّا: حكاية الضحية التي أنجبت ضحايا أخرى
تسعير التطبيق
مجاني
الفحص
آمن 100%

في أعماق النفس البشرية تكمن نزعة فطرية للاستجابة لنداء الضعفاء، خصوصًا حين يأتي النداء من طفل. فصورة الطفولة في الوعي الجمعي مرتبطة بالبراءة، والعجز، والحاجة إلى الحماية. لكن ماذا لو كانت هذه الصورة مجرد قناع؟ ماذا لو تحوّل طلب النجدة إلى أداة اصطياد، وتحولت البراءة إلى سلاح؟

تتناول هذه القصة مفهوم “الضحية” من زاوية مظلمة، حيث لا يكون الشرّ ظاهرًا منذ البداية، بل يتخفّى خلف وجه طفولي وصوت مرتجف، ليقود الإنسان بخطوات بطيئة نحو مصيره المحتوم. إنها قصة عن الخوف، والاختيار، والانحدار الأخلاقي، حين يُدفَع الإنسان دفعًا إلى أن يصبح ما كان يهرب منه.

هذه الحكاية ليست مجرد سرد رعب، بل مرآة تعكس هشاشة المبادئ حين توضع تحت ضغط الموت، وتطرح سؤالًا جوهريًا: هل يمكن للإنسان أن يظل إنسانًا حين يُخيَّر بين حياته وحياة غيره؟

 القصة: الغابة التي لا تُعيد من يدخلها كما كان

كان الرجل يسير وحيدًا في الغابة، وقد اختار هذا الطريق اختصارًا لمسافة طويلة، غير مدرك أن بعض الطرق لا تختصر الزمن، بل تختصر العمر كله.

كانت الأشجار مصطفة كجنود صامتين، أوراقها تتحرك ببطء مع نسمات باردة، والهواء مشبعًا برائحة الرطوبة والعزلة. لم يكن يسمع سوى وقع خطواته، وكأن الغابة تراقبه، تحصي أنفاسه، وتنتظر لحظة مناسبة.

وفجأة، انقطع هذا الصمت بصوت بكاء خافت، متقطع، يشبه أنينًا صغيرًا يحاول أن لا يُسمع.

توقف الرجل، وتلفّت حوله بحذر. لم يكن البكاء قريبًا جدًا، لكنه كان واضحًا بما يكفي ليوقظ في داخله القلق. اتبع الصوت حتى رأى طفلة صغيرة تقف بين الأشجار، ملابسها متسخة، ووجهها شاحب، وعيناها حمراوان من البكاء.

قالت بصوت مرتجف:

«عمو، في شخص أخذ مني أغراضي… أنا ضائعة، ومش عارفة أرجع.»

تردد الرجل. كان عقله يحذّره، لكن قلبه سبقه. فكرة ترك طفلة وحدها في الغابة كانت أقسى من أي خوف. وافق على مساعدتها، محاولًا إقناع نفسه بأن الخير لا يمكن أن يكون خطأ.

سارت الطفلة أمامه بخطى واثقة، على عكس ما يوحي به مظهرها. لم تكن تتلفت، ولا تتعثر، وكأنها تعرف الطريق أكثر مما ينبغي. لاحظ ذلك، لكنه تجاهله، مبررًا الأمر بأنها ربما اعتادت المكان.

بعد مسافة طويلة، ظهرت ملامح منزل مهجور، جدرانه متآكلة، ونوافذه كعيون سوداء تراقب الداخلين.

قالت الطفلة:

«هو هنا… هنا أخذ أغراضي.»

ما إن دخل الرجل حتى شعر بضربة قوية على رأسه، لم يرَ مصدرها، ولم يسمع سوى طنين حاد قبل أن يغيب عن الوعي.

حين استيقظ، وجد نفسه داخل خزانة خشبية قديمة، يديه وقدماه مقيدتان بإحكام. حاول الصراخ، لكن صوته اختنق في حلقه.

سمع صوت الطفلة خارج الخزانة، لكن نبرته هذه المرة لم تكن خائفة.

قالت ببرود تام:

«جبت لك ضحية جديدة.»

خرج رجل آخر من الظل، طويل القامة، ملامحه جامدة كالحجر. نظر إلى الضحية نظرة خالية من أي تعاطف، وقال:

«دورها جاية.»

أمسك بفمه بالقوة، وأدخل فيه مادة سامة. شعر الرجل بحرقة تسري في جسده، وكأن النار تشتعل في عروقه.

قال الرجل الغريب:

«عندك أربع ساعات. لو ما متّش قبلها، يبقى نفذت الشرط.»

سأله الضحية بصوت مكسور:

«أي شرط؟»

أجابه بلا اكتراث:

«تجيب لي ضحية ثانية. شخص آخر، ييجي برجليه، زيك كده.»

وأضاف:

«لو نجحت، أديك الدواء. لو فشلت… السم يخلص شغله.»

اقتربت الطفلة منه، انحنت وهمست في أذنه:

«القرار بيدك.»

ثم اختفت، كما لو أن الظلام ابتلعها.

خرج الرجل مترنحًا من المنزل، يشعر بجسده ينهار ببطء. كان الوقت يمر، والغابة صامتة، لكن الصمت هذه المرة كان أثقل من أي صوت.

كان أمام خيار واحد:

إما أن يموت متمسكًا بإنسانيته،

أو أن يعيش محمّلًا بذنب لا يُغتفر.

ومنذ ذلك اليوم، يتناقل الناس حكايات عن طفلة تظهر في الغابة، تبكي، تطلب المساعدة، ومن يسير معها… لا يعود أبدًا كما كان، إن عاد أصلًا.

 الدلالات النفسية والأخلاقية: حين يُجبر الإنسان على اختيار الشر

تعكس هذه القصة صراعًا نفسيًا عميقًا بين غريزة البقاء والقيم الأخلاقية. الرجل لم يكن شريرًا في البداية، بل كان ضحية طيب القلب، استجاب لنداء إنساني بحت. لكن النظام الذي وُضع فيه صُمم خصيصًا لكسر هذا النوع من البشر.

الطفلة هنا ليست مجرد شخصية، بل رمز. رمز للشرّ المتخفي في ثوب الضعف، وللخداع الذي يستغل أسمى المشاعر الإنسانية. أما الرجل الغريب، فهو تجسيد للشرّ الصريح، البارد، الذي لا يبرر نفسه ولا يعتذر.

الشرط الذي فُرض على الضحية يمثل اختبارًا أخلاقيًا قاسيًا:

هل حياتك أثمن من حياة غيرك؟

وهل يمكن تبرير الجريمة إذا كانت السبيل الوحيد للنجاة؟

القصة لا تقدّم إجابة مباشرة، بل تترك القارئ في حالة مواجهة مع نفسه، ليكتشف مدى هشاشة المبادئ حين توضع على حافة الموت.

مواضيع قد تهمك

 الاستفادة والعِبر: ما الذي تعلّمنا إياه هذه القصة؟

أولًا، تحذّر القصة من الثقة العمياء، لا بمعنى التخلي عن الإنسانية، بل بضرورة التوازن بين القلب والعقل. فالنوايا الحسنة وحدها لا تكفي دائمًا لحمايتنا.

ثانيًا، تسلط الضوء على فكرة أن الشرّ لا يولد دائمًا داخل الإنسان، بل قد يُزرَع فيه تحت الضغط. كثير من “الوحوش” لم يبدأوا وحوشًا، بل كانوا ضحايا في مرحلة ما.

ثالثًا، تؤكد القصة أن أخطر أنواع الشرّ هو الذي يجبرك على المشاركة فيه، لأنك بعد ذلك لن تعود قادرًا على رؤية نفسك كما كنت.

وأخيرًا، تذكّرنا بأن بعض القرارات، مهما بدت مبررة، تترك ندوبًا لا تشفيها الحياة نفسها.

 الخلاصة: الغابة ليست مكانًا… بل حالة إنسانية

ليست الغابة في هذه القصة مجرد أشجار ومسارات مظلمة، بل هي حالة نفسية، ومساحة أخلاقية رمادية، يدخلها الإنسان واثقًا من نفسه، ويخرج منها إن خرج، محمّلًا بأسئلة لا تنتهي.

قصة الضحية والبنت مع الرجل الشرير ليست حكاية رعب فحسب، بل تجربة إنسانية قاسية، تضع القارئ أمام حقيقة مؤلمة: أحيانًا، لا يكون الشرّ خيارًا، بل فخًا، وأحيانًا أخرى، يكون الاختيار نفسه هو العقاب.

هذه القصة تظل عالقة في الذهن، لأنها لا تخيفنا بما يحدث للشخصيات، بل بما يمكن أن يحدث لنا لو كنا مكانهم.



شاركنا رأيك

لن يتم نشر بريدك