قبل ما يكون ده المشروب الرسمي في القهاوي وفي البيوت، ويتقدم بعد كل وجبة ويشربه كل طبقات المجتمع لدرجة إنه أصبح مشروب وطني، كان مقتصر على طبقة معينة من المجتمع. أنا مأمون وانت دلوقتي بتتفرج على قناة المؤرخ، اعمل كوباية شاي بالنعناع وتعالى احكيلك حكاية المشروب الرسمي للمصريين وازاي دخل مصر.
الحكاية دي مش مجرد سرد تاريخي، دي رحلة طويلة لمشروب بسيط جدًا لكنه قادر يجمع عيلة، ويصلّح مود، ويكوّن صحبة، ويخلّي وقتك ألطف. الشاي بقى مرادف للراحة واللمة والمزاج، لكن الطريق اللي مشي لحد ما يوصل للمكانة دي كبير ومليان تفاصيل غريبة، يمكن عمرك ما تخيلت إنها كانت السبب في ظهور الكوباية اللي في إيدك دلوقتي.
---
**السبب:**
في كتاب *Story Of Tea* بيقول المؤلف إنه قبل 3000 سنة من دلوقتي تقريبًا اكتشف الصينيين شجرة الشاي في إقليم يونان الصيني، وكان بيستخدم كمشروب علاجي بيساعدك على التركيز والبقاء مستيقظ لفترات طويلة. والأسطورة الصينية بتقول إن الإمبراطور الصيني وطبيب الأعشاب شين ونج، مكانش بيشرب المية غير لما تتغلي على النار، عشان تكون نضيفة من الشوائب والأملاح.
وفي يوم من الأيام، الإمبراطور شين ونج كان بياخد استراحة مع الجيش بتاعه، وكان عطشان وعايز يشرب مية. الخادم وهو بيغلي المية، وقعت فيها ورقة من شجرة غريبة محدش كان بيستخدمها في أي شيء. فجأة لون المية اتحول للبني، لكن بما إن الإمبراطور طبيب أعشاب بطبعه قرر يجرب. أول ما داق المشروب لقى طعمه مختلف وجميل، وكمان حس بنشاط وتركيز أعلى، ومن اللحظة دي بدأ استخدام الشاي كمشروب علاجي قبل ما يتحول لمشروب شعبي وأساسي في حياة الشعوب.
---
**التاريخ:**
وزي أي حاجة البشر اكتشفوها وبدأوا ينقلوها ما بين بعض، انتشر الشاي في تايلاند، والناس هناك بدأوا يشربوه ويقدسوه لدرجة إنه بقى مشروب ديني بيستخدموه في احتفالاتهم، زي ما القهوة عندنا ليها حضور في المناسبات، خصوصًا العزا. واللي يعرف المصريين كويس، يعرف إن في حب مرضي للشاي لدرجة إنك ممكن فعلاً توصّي يوزعوه على روحك بعد الشر عليك طبعًا.
وفي مقال للكاتب زوي مايدن، قال إنه كان فاكر الشاي مشروب عالمي لحد ما بحث في عادات المصريين، واكتشف إن للشاي في مصر معنى تاني خالص. مشروب بعد كل أكلة، وفي وسط اللمة، ومع الدومنة والطاولة على القهوة، مشروب بيخلي الأعداء أصحاب والصحاب إخوات. والأهم إنه مشروب بيشارك في بناء الروابط الاجتماعية في الريف قبل المدينة، لدرجة إنك لو عديت على الفلاحين في الغيطان هيندهوا عليك تقولك: “تعالى اشرب شاي”.
---
**التطور:**
بالنسبة لدخول الشاي مصر، بيقول الكاتب زوي مايدن إن الشاي دخل مصر تقريبًا في القرن السادس عشر الميلادي، لكن الرواية المصرية عندها حكاية مختلفة. في كتاب *من سيرة المماليك* للكاتبة جيهان المأمون ذكرت إن الشاي دخل مصر في زمن الثورة العرابية، لما اللورد الإنجليزي لنبرن دعا الزعيم أحمد عرابي إلى جزيرة سيلان—اللي هي سيرلانكا دلوقتي—وكانت يومها بتنتج أجود أنواع الشاي في العالم. ومن هنا بدأ عرابي يبعت كميات كبيرة منه لأصحابه ومعارفه في مصر، ودي كانت بداية انتشاره.
لكن الرواية الأكثر انتشارًا هي دخوله مع الضباط الإنجليز سنة 1882. وكان وقتها مقتصر على الطبقة الأرستقراطية والملكية فقط، يعني جد جدك كان مستعد يدفع دهب عشان يشرب كوباية واحدة من اللي انت تشرب منهم خمس مرات في اليوم.
ومع الحرب العالمية الأولى، اترحّل عدد كبير من الفلاحين المصريين لأوروبا عشان يتم استخدامهم هناك في الزراعة والحرب. وهما راجعين، جابوا معاهم الشاي. ومن اللحظة دي بقى الشاي مشروب الفلاح المصري الرسمي. يشربوه عشان النشاط، وعلشان يكمّل يومه الطويل، وعلشان “ياخد مزاجه” زي ما يقولوا.
لكن الحكومة المصرية ماكانتش مبسوطة إن الفلاح يشرب شاي كل شوية، وده نفس إحساسك لما الصنايعي يطلب كوباية شاي كل عشر دقايق، ويبصلك بنص عين ويقولك: “مفيش واحدة حمرا؟”. الحكومة في 1932 طلعت أطباء يحذروا من أضرار الشاي ويحاولوا يوقفوا انتشاره، لكن المصري بطبعه عنيد: لو الحكومة تقول لأ، هو لازم يقول آه. وكمل الشعب شرب شاي لحد ما بقى جزء من الهوية.
---
**التقييم:**
والحقيقة يا صديقي إن الشاي هو المشروب الأروق والأشهى والأرخص على الإطلاق. هو المشروب اللي بيطبطب على أعصابك بعد يوم طويل، واللي بيفتح مخك قبل مذاكرة، مهما كنت هتذاكر ولا لأ، المهم إن الكوباية موجودة. الشاي انتصر على الرأسمالية، وفضل مشروب الشعب كله، مش مقتصر على طبقة ولا مستوى اجتماعي.
ولما تسمع البيت اللي بيقول:
*نعنع كؤوسك إن أردت شرابها
لا خير في شاي بلا نعناعِ*
تعرف قد إيه المشروب ده بقى جزء من مزاج المصري.
تخيل كده قاعد مع مراتك المستقبلية في البلكونة وقت العصاري، قدامكم كوبايتين شاي بالنعناع، بتتكلموا عن مستقبل العيال، وبتفكروا يا ترى هيدوسوا لايك ولا لأ… يمكن حتى يعملوا شير، ويمكن يشتركوا في القناة.
المهم إن الشاي حاضر… زي ما كان عبر آلاف السنين، وزي ما هيفضل موجود في كل بيت مصري.جميع التفاصيلهنا
Elmoarekhh