شهدت صناعة الألعاب خلال الأعوام الماضية تغيرات هائلة في طريقة تقديم المحتوى الرقمي، وكان لخدمات الاشتراك النصيب الأكبر من هذا التحول. ويأتي Game Pass في مقدمة هذه الخدمات التي أحدثت تأثيرًا عميقًا في سلوك اللاعبين، إذ جمع بين اشتراك شهري ثابت ومكتبة واسعة ومتنوعة من الألعاب التي تتجدد باستمرار، مع إتاحة إمكانية تشغيلها عبر عدة منصات. لكن مع التطورات الأخيرة التي طرأت على الخدمة بحلول ديسمبر 2025، عاد السؤال بقوة ليطرح نفسه: هل ما يزال Game Pass خيارًا مجديًا بالفعل؟
ارتفعت أسعار الألعاب عالميًا، وتغيّرت أولويات المستهلكين، وازدادت المنافسة بين الشركات الكبرى، كما ظهرت تحديثات مؤثرة على الخدمة نفسها. لذلك لم يعد الحكم على Game Pass بنفس البساطة التي كان عليها قبل سنوات؛ فالقيمة مقابل السعر أصبحت تعتمد بشكل كبير على نوع اللاعب، وكمية الوقت المخصص للعب، وتنوع الألعاب التي يستهلكها.
المزايا التي تمنح Game Pass قوته وقيمته
على الرغم من الجدل الدائر حول Game Pass خلال الفترة الأخيرة، فإن الخدمة لا تزال تحمل عددًا من المزايا الجوهرية التي تجعلها خيارًا مميزًا لدى شريحة واسعة من اللاعبين. أهم هذه المزايا هي ضخامة مكتبة الألعاب المتاحة عبر الخدمة وتجدّدها المستمر؛ فالمحتوى لا يبقى ثابتًا، بل يتغيّر بصورة شهرية، مما يضمن تدفقًا دائمًا لعناوين جديدة وقديمة، كبيرة وصغيرة، مشهورة ومستقلة. هذه الديناميكية تجعل اللاعب يشعر دائمًا بأن هناك شيئًا جديدًا يستحق التجربة.
الميزة الأبرز التي تميّز Game Pass عن غيره هي إتاحة الألعاب الضخمة في يوم صدورها الأول (Day-One). هذه الخطوة كانت نقطة تحول تاريخية في صناعة الألعاب، إذ جعلت المستخدم يحصل على تجارب حديثة ومطلوبة دون الحاجة إلى دفع ثمن اللعبة الكامل. وحتى مع اختلاف جودة بعض العناوين من عام لآخر، يبقى مفهوم الإصدار الأول نقطة قوة لا يمكن إنكارها.
ومن المزايا المهمة كذلك تعدد الباقات وتنوعها. فقد أصبح بإمكان اللاعب اختيار الباقة المناسبة له: باقة مخصصة لجهاز Xbox فقط، أو باقة لألعاب الحاسب الشخصي، أو الباقة المتكاملة التي تشمل الكونسول والحاسوب والبث السحابي. هذا التنوع يمنح المستخدم حرية اختيار ما يناسب ميزانيته وطريقة لعبه.
أما الميزة التي لا ينتبه إليها كثيرون فهي قيمة الخدمة عند استخدامها على أكثر من منصة في الوقت ذاته. فمن الممكن البدء في تجربة لعبة على جهاز Xbox، ثم استكمالها على الحاسب الشخصي، أو تشغيلها عبر البث السحابي عند عدم توفر الجهاز. هذه المرونة تضيف قيمة كبيرة جدًّا، خاصة للذين لا يملكون الوقت الكافي للجلوس أمام الأجهزة التقليدية طوال الوقت.
وأخيرًا، تمنح الخدمة اللاعبين فرصة لتجربة ألعاب لم يكونوا ليشترونها في الظروف الطبيعية. فوجود مكتبة واسعة يفتح الباب لاكتشاف عوالم جديدة وأنواع مختلفة، وإعطاء الفرصة لعناوين لم يكن اللاعب يفكر أصلاً في اقتنائها. هذه النقطة وحدها تجعل الخدمة مثالية لمن يرغب في توسيع دائرة اهتماماته وتجربة كل ما هو جديد.
العيوب والانتقادات التي ظهرت مؤخرًا وأثرت على قيمة الخدمة
على الجانب الآخر، ظهرت خلال العامين الماضيين جملة من الانتقادات التي لا يمكن تجاهلها، لأنها أثّرت فعليًا على تقييم العديد من اللاعبين للخدمة. أول هذه الانتقادات هو الارتفاع الكبير في سعر الاشتراك. فقد أصبح السعر أعلى مما اعتاد عليه المستخدم، وخصوصًا مع الظروف الاقتصادية العالمية، مما أدى إلى انخفاض إحساس البعض بقيمة الخدمة مقابل ما يدفعونه.
ثانيًا، قامت الشركة بإزالة بعض المزايا القديمة التي كانت تمنح الخدمة قيمة إضافية — مثل الخصومات الخاصة بمحتويات الألعاب (DLC) — وهذه التغييرات جعلت بعض المستخدمين يشعرون بأن الخدمة لم تعد شاملة كما كانت في السابق، وأن بعض عناصر “الصفقة الجيدة” قد اختفت تدريجيًا.
ومن أبرز السلبيات التي يتحدث عنها اللاعبون هي أن الخدمة غير مناسبة لمن يلتزمون بلعبة واحدة لفترات طويلة. فهناك فئة كبيرة من اللاعبين تستمتع بلعبة واحدة أو اثنتين فقط، سواء كانت لعبة أونلاين أو لعبة قصصية يعاد لعبها عدة مرات. هؤلاء لا يستفيدون فعليًا من مكتبة ضخمة تتغير كل شهر، وبالتالي يجدون أن تكلفة الاشتراك لا تتناسب مع أسلوب لعبهم.
كذلك يعاني بعض اللاعبين من أن اهتمامهم يتركز على ألعاب محددة لا تتوفر على Game Pass، سواء لأنها حصرية لشركات أخرى، أو لأن أنواع الألعاب المفضلة لديهم ليست من النوع الذي تضيفه الخدمة باستمرار. في هذه الحالة، تصبح القيمة أقل بكثير مما يتوقعه المستخدم.
وأخيرًا، تغيّر لدى شريحة من الجمهور مفهوم “القيمة مقابل السعر”. فمع ارتفاع الأسعار وقلة المزايا التي كانت موجودة في الماضي، لم يعد الإحساس بالصفقة المثالية قويًا كما كان من قبل، مما تسبب في تراجع حماس البعض تجاه الخدمة.
هل Game Pass مجدي أم لا؟ — حسب نوع اللاعب
لا يمكن الحكم على Game Pass بمعيار واحد ينطبق على الجميع؛ فالقيمة تختلف باختلاف نوع اللاعب واهتماماته ووقته. ولذلك فإن الإجابة الحقيقية هي: “الأمر يتوقف عليك أنت.”
فإن كنت من اللاعبين الذين يحبون تجربة ألعاب متعددة، ويستمتعون بالتنقل بين عناوين مختلفة شهرًا بعد شهر، فإن الخدمة ستكون مجديّة للغاية بالنسبة لك. فهي صممت بالكامل لتلبية احتياجات هذا النوع من اللاعبين الذين لا يلتزمون بلعبة واحدة، بل يحبون التنوع والمفاجآت المستمرة.
أما إذا كنت تستخدم أكثر من منصة، مثل Xbox والحاسوب والبث السحابي، فإن قيمة الخدمة ترتفع بشكل كبير، لأن الاشتراك الواحد يغطي كل ما تحتاج إليه دون الحاجة لشراء ألعاب على كل منصة على حدة.
لكن في المقابل، إذا كنت من اللاعبين الذين يقضون وقتًا طويلاً على لعبة واحدة فقط — سواء كانت لعبة رياضية، أو لعبة شوتر أونلاين، أو لعبة عالم مفتوح — فإن الاشتراك لن يكون مجديًا كثيرًا بالنسبة لك. ففي هذه الحالة، من الأفضل شراء اللعبة مباشرة بدلًا من دفع اشتراك شهري لا تستفيد منه بالكامل.
كذلك، إن كنت تهتم بألعاب معينة غير موجودة على الخدمة، أو تتبع نوعًا محدودًا من الألعاب، فستقل القيمة التي تحصل عليها بشكل واضح. لأنك لن تستفيد من التنوع الكبير الذي تقدمه الخدمة.
أما إذا كان اهتمامك الأكبر هو الألعاب الضخمة (AAA)، والرغبة في تجربة الجديد منذ اليوم الأول، فهنا تكون الخدمة خيارًا ممتازًا بلا شك، لأن تكلفة الألعاب الجديدة أصبحت مرتفعة للغاية، في حين يوفر لك الاشتراك إمكانية اللعب دون شراء اللعبة.
تحليل شامل للقيمة والسعر والمنافسة ومستقبل الخدمة
من أجل تقديم تقييم موضوعي وحقيقي، يجب وضع الخدمة ضمن سياقها العام في السوق، وليس النظر إليها بمعزل عن بقية العوامل.
أولى النقاط المهمة هي مقارنة سعر الاشتراك بتكلفة شراء الألعاب الحديثة، وخصوصًا الألعاب الضخمة التي أصبحت أسعارها مرتفعة عالميًا. فإذا كان اللاعب يستهلك لعبتين أو أكثر من هذه الفئة كل شهرين مثلًا، فإن الاشتراك يصبح صفقة قوية للغاية. أما إذا كان يلعب لعبة واحدة فقط، فسيكون شراء اللعبتين سنويًا أكثر اقتصادية.
أما بالنسبة للتحديثات الأخيرة التي طرأت على الخدمة، فمن الواضح أن بعضها قد زاد قيمتها بينما أثّر البعض الآخر سلبًا. فالتحسينات المتعلقة بالبث السحابي وتوسع المكتبة في بعض الفترات تعتبر نقاط قوة، لكن في المقابل فإن ارتفاع سعر الاشتراك وإزالة بعض المزايا جعلا الخدمة أقل جاذبية للبعض.
أما سؤال: هل تتجه الخدمة نحو التطور أم التراجع؟
فالإجابة ليست بسيطة؛ فمن ناحية المحتوى وتوسيع الشراكات واعتماد نظام اليوم الأول، تبدو الخدمة قوية. لكن من ناحية السعر وردود فعل المستخدمين، هناك شعور عام بأن الخدمة فقدت جزءًا من جاذبيتها السابقة، وأن قيمتها لم تعد واضحة مثل الماضي.
ولا يمكن تجاهل المنافسة المتصاعدة من PlayStation Plus، التي أصبحت في السنوات الأخيرة تقدم مكتبة واسعة وعروضًا قوية، مما جعل المنافسة بين الخدمتين أكثر شراسة. وهذه المنافسة قد تدفع كل شركة لتقديم قيمة أكبر أو تحسينات جديدة، مما يصب في مصلحة اللاعب.
وأخيرًا، لا بد من الإشارة إلى تأثير الاقتصاد العالمي وارتفاع الأسعار على تقييم اللاعب للخدمات الرقمية، بما فيها Game Pass. فالوضع الاقتصادي أصبح عاملاً مهمًا في قرارات الشراء، وهو ما يجعل اللاعبين أكثر حرصًا في اختيار الخدمة التي توفر لهم القيمة الحقيقية مقابل المال.
Ammar Demoz